دين ودنيا

خطبة عن بر الوالدين

خطبة عن بر الوالدين

الحمد لله رب العالمين، الذي خلقنا من عدم، وهدانا للإسلام، وأمرنا بالإحسان، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي أَوْصَانَا بِحُسْنِ الْعِبَادَةِ، وَحَثَّنَا عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ، وَجَعَلَ طَاعَتَهُمَا سَبِيلًا لِرِضَاهُ وَدُخُولِ جَنَّاتِهِ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

أما بعد


أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ، وَاعْلَمُوا أَنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَعْظَمِ الْقُرُبَاتِ، وَأَجَلِّ الطَّاعَاتِ، فَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادَتِهِ وَبِرِّهِمَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، لِيُعْلِمَنَا عِظَمَ حَقِّهِمَا.

إن من أعظم ما أمرنا به الله تعالى، ومن أسمى القيم التي حثنا عليها ديننا الحنيف، هو بر الوالدين. فبر الوالدين ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو فريضة شرعية، وطريق إلى رضا الله تعالى وجنته

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي اللَّهِ:

حديثا اليوم عن بر الوالدين
قَالَ تَعَالَى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: 14].
تَأَمَّلُوا هَذِهِ الْآيَةَ! فَالْأُمُّ تَحْمِلُ وَلَدَهَا ضَعْفًا عَلَى ضَعْفٍ، وَتُرْضِعُهُ سَنَتَيْنِ، وَالْأَبُ يُسَخِّرُ عُمْرَهُ لِتَأْمِينِ الْعَيْشِ. أَفَلَا يَجِبُ أَنْ نَكُونَ لَهُمَا أَبَرَّ

يقول الله تعالى في كتابه الكريم:
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23].
فجعل الله تعالى بر الوالدين مقرونًا بعبادته، وهذا دليل على عظم مكانة الوالدين في الإسلام.

عِبَادَ اللَّهِ:


الوالدان هما سبب وجودنا في هذه الحياة، وهما اللذان تحملا المشاق والتعب في تربيتنا ورعايتنا. الأم التي حملتنا تسعة أشهر، وتحملت آلام الولادة، والأب الذي سهر الليالي ليوفر لنا حياة كريمة. فكيف نجزيهما؟
يقول الله تعالى:
بِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَيْسَ مُجَرَّدَ كَلِمَاتٍ حُلْوَةٍ أَوْ هَدَايَا عَرَضِيَّةٍ، بَلْ هُوَ طَاعَةٌ مُطْلَقَةٌ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَإِدْخَالُ سُرُورٍ عَلَى قُلُوبِهِمَا، وَصَبْرٌ عَلَى تَغَيُّرِ أَحْوَالِهِمَا، سِيَّمَا عِنْدَ الْكِبَرِ. قَالَ تَعَالَى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
فَالنَّهْيُ عَنْ أَدْنَى أَلَمٍ يُصِيبُهُمَا، فَكَيْفَ بِمَنْ يَعْقُوهُمَا أَوْ يُهْمِلُهُمَا؟! ، فالله تعالى نهانا حتى عن التأفف من الوالدين، فما بالنا بالعصيان أو الإساءة؟

أيها الأحبة،

بِرُّ الْوَالِدَيْنِ لَا يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِمَا، بَلْ يَسْتَمِرُّ بِالدُّعَاءِ لَهُمَا، وَصِلَةِ أَرْحَامِهِمَا، وَإِكْمَالِ أَعْمَالِهِمَا الصَّالِحَةِ. قَالَ ﷺ: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ».
فَكُونُوا أَوْلَادًا صَالِحِينَ تَجْعَلُونَ أَجْرَكُمْ يَصِلُ إِلَيْكُمْ وَإِلَى وَالِدَيْكُمْ.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ:


لَقَدْ ضَرَبَ لَنَا الرَّسُولُ ﷺ أَعْظَمَ الْأَمْثِلَةِ فِي بِرِّ الْوَالِدَيْنِ. رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي؟» قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: «ثُمَّ مَنْ؟» قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: «ثُمَّ مَنْ؟» قَالَ: «أُمُّكَ»، قَالَ: «ثُمَّ مَنْ؟» قَالَ: «أَبُوكَ».
فَالْأُمُّ تَسْتَحِقُّ ثَلَاثَةَ أَضْعَافِ الْبِرِّ لِمَا تَحَمَّلَتْ مِنْ تَعَبٍ وَعَطَاءٍ ، والأب له الربع الأخير، وهذا يدل على مكانة الأم العظيمة.

أيها الإخوة والأخوات،

لنحرص على بر والدينا، ولنعاملهم باللين والرحمة، ولنصبر على ما قد يصدر منهما من كلام أو تصرفات. فلنكن أبناء بارين، ولنحرص على إدخال السرور إلى قلوبهم، ولنكن لهم خير عون في كبرهم

أَخِيرًا أَيُّهَا النَّاسُ:

لَا تَنْسَوْا أَنَّ رِضَا اللَّهِ فِي رِضَا الْوَالِدَيْنِ، وَسَخَطُهُ فِي سَخَطِهِمَا. فَاحْرِصُوا عَلَى بِرِّهِمَا قَبْلَ أَنْ يُفَاجِئَكُمُ الْمَوْتُ، وَتُنْدَمُوا حِينَ لَا يَنْفَعُ النَّدَمُ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا، وَاغْفِرْ لَهُمْ وَارْحَمْهُمْ كَمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا.
اللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى بِرِّهِمْ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِتِينَ الْحَامِدِينَ.
اللهم ارزقنا بر والدينا، واجعلنا من البارين بهما، واغفر لهما وارحمهما كما ربيانا صغارًا.
اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم اجعلنا من الذين يوفون بعهدك، ويحسنون إلى والديهم.
اللهم آمين.

وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

قد يهمك :
النبي محمد رسول الحب والرحمة والسلام

زر الذهاب إلى الأعلى