دين ودنيا

التصوف ..صفاء في حب الله ..غاية السائرين ..وأمل العابدين (العاشقين الله كثيراً ..والعاشقات ) …الحلقة الأولى

العشق الإلهي الذوبان النوراني ، قمة العبادة ومنتهى الإخلاص، الحب الكامل ، ولكن من يستطيع الحديث عن الحب ، ومن يستطيع الحب أصلا، فالحب أولاً من الله كما في قوله تعالى “يحبهم ويحبونه” تماماً كما قوله “ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم ” .. وعن أهل التصوف والصوفية العاشقين الله كثيرا والعاشقات ، الذائبين في الحب والذائبات، شهداء الهوى الإلهي نتحدث قدر المستطاع إليكم:

عبدالعزيز صبره الرفاعي :

قال محي الدين بن عربي : ” الحب مَقامٌ إلهي، وصف الحق به نفسه”
وقال أيضاً:
الحب ذوقٌ ولا تدري حقيقته
أليس ذا عَجب واللــهُ واللــهُ
لوازم الحب تكسوني هويتها
ثوب النقيضين مِثلَ الحاضر الساهي
بالحب صح وجوب الحقّ حيث يرى
فينا وفيه ولسنا عين أشباه

وقال أيضاً:
النارُ تُضرمُ في قلبي وفي كبدي
شوقاً إلى نور ذات الواحدِ الصمدِ
جاد الإله به في الحال فارتسمت
حقيقة غيبت عقلي عن الجسد
فصرت اشهده في كل نازلة
عناية منه في الأدنى وفي البعد

لوازم الحب الإلهي

ويقول موفق فوزي الجبر في مقدمة تحقيقه وتعليقه على كتاب لوازم الحب الإلهي يقول: إن الحب الإلهي، أو ما يسمى الغزل الإلهي موضوع شائك، وهو يحمل في طياته رمزاً صوفياً خالصاً، والحب عند العشاق هو الوصال المتين الذي يربط بين قلبين. وهو حج تحج إليه قلوب الناس، وكعبة تطوف بها أسرار القلوب.

اقرأ:أقبل إلى “التصوف” ولا تخف
فالحب إذن عبارة عن نسمة تهب في قلب العاشق الولهان، وأعظم حب في الدنيا هو حب الله ورسوله.

وقال أبو حامد الغزالي المتوفي سنة 505 هجرية: ” إذا قيل لك أتحب الله ورسوله فاسكت، فإنك إذا قلت: لا! كفرت. وإن قلت نعم !! طُولبت بالدليل”.

وعند بن عربي : الحب مقام إلهي وصف الحق تعالى به نفسه، وتسمى بالورود، فحب الله عبادة لا يتصف بالبدء ولا بالغاية من وجه، فإنه لا يقبل العوارض ولا الحوادث ، لكن عين محبته لعباده عين مبدأ كونهم متقدميهم ومتأخريهم إلى مالا نهاية ، ونسبة حب الله لهم نسبة كينونته معه أينما كانوا في حال عدمهم ووجودهم.


وقد ورد عن بعض الصوفيين أن للحب سببين: الجمال والإحسان، وهذا مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم” إن الله جميل يحب الجمال”


فنبهنا أنه سبحانه وتعالى جميل أي يجب أن نحبه، وعذر المحبيين في ذلك لأن المحب لا يرى محبوبه إلا أجمل العالم في نظره، فما أحب إلا ما هو جميل، أما الإحسان فإن العباد يحبون إحسان الله، ولا محسن إلا الله. (1)

اقرا: أسماء سيدنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم-

الشاطئ أسرار.. وبحار الحب عند الصوفية أسرار، كما يعبر أحمد بهجت في كتابه بحار الحب عند الصوفية، ويُكمل أحمد بهجت بأسلوبه اللطيف الرقيق الموصل للمعنى بيسر وسهولة: والصوفية أهل عطش إلى الحقيقة.. والحقيقة كائنة في الماء وأحياناً يكتب العارفون كلماتهم على الماء .. وأحياناً يسير رجال على الماء ويهلك من العطش رجال أفضل منهم ..

ويقول بهجت: أمر محير جدأً ولكنه لا يستوجب اهدار المحاولة.. وهو هنا يقرر البحث والتأمل في فهم حقيقة الصوفية..ويبدأ بالتساؤل:


فالبعض يعتقد أن التصوف كلمة دخيلة على الإسلام ..(ولكنها في الحقيقة كما هو عند الكثيرين): تعني الصفاء قي حب الله وهو لُب الإسلام.

الجدل حول الصوفية:


ولكن أحمد بهجت قبل أن يخوض بحار الحب عند الصوفية، يقتحم أولا بهدوء وبعقل وبحكمة مشكلة الطعن في الصوفية والجدل حول التصوف ليبين بهدوء واتزان أنهم على الصواب والحق والحب المبين.


فيقول بهجت: قبل أن ننشر أشرعتنا البيضاء ونبحر في بحار الحب، نريد أن نعبر نهراً صغيراً متقلباً..هو هذا الجدل حول الصوفية.


فالبعض يعادي التصوف، ويراه كثيرون غاية سير السائرين ومقصد أمل العابدين ..فمن أعداء الصوفية علماء الكلام الذين رفعوا شعار العقل، في حين حمل الصوفية رايات القلوب والأسرار والحب لله..


ومن أعداء الصوفية أهل الظاهر، وهؤلاء هم الذين يلتزمون بنصوص الآيات ويقفون عندها ولا يتزحزحون، والأصل أنهم ينظرون إلى ظاهر الأشياء، ويأخذون بظاهر الآيات.


آما الصوفية فتركوا أهل الظاهر على الشاطئ أو في المياه الآمنه وجذبهم الحب والعشق لخوض البحار بحثا عن كنوز الوصل في الأعماق.

المتشددون والملاحدة:


..وفي العصور الحديثة، كل الملاحدة يكرهون التصوف، باعتباره تجربة روحية، لأنهم لا يؤمنون بالروح كما يؤمن بها المؤمنون ..


وبعض الفلاسفة يرفض التصوف كأسلوب من أساليب البحث عن الحقيقة لأنهم يرون الفلسفة هي الأسلوب الوحيد للبحث عن الحقيقة..


أما المتشددين فيكرهون التصوف ويتهمونه بالانحراف والبدعة والتحول إلى الرهبانية.

التصوف قلب الإسلام:


في الصوفية من يدافع عن التصوف ولا يهاجم الأعداء الذين يتهمون الصوفية بكثير من الاتهامات ..فالصوفية لا يتهمون أحد بل يوضحون حقيقتهم ويظهرون بضاعتهم فقط، فيؤكدون أن التصوف قلب الإسلام وفطرة البشرية وهو سلوك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

.فالتصوف عبادة وطهارة وزهد ، ثم كشف وفيض وإشراق واتصال بالخالق الأعظم الذي خلق الكون.

تصوف الرسول في الغار:


ويتساءل الصوفية: أليست حياة الرسول سيدنا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – في الغار صورة كاملة للصوفي الحق ، أليس هذا التأمل المحمدي في عظمة فاطر السماوات والأرضين، أساساً للأذواق والمواجيد الصوفية، وسبيلا للكشف والفيض والإشراق .. غير أن سيدنا محمد نبي ورسول ولا نبي ولا رسول بعده.. وإنما أحباؤه وأتباعه الصوفية على سنته وهديه، فهو صلوات ربي وسلامه عليه إمام الصوفية الأكبر.


ويروي الصوفية كثير من الأحاديث عن زهده وخلوته في الغار وكراهيته للدنيا وإيثاره للآخرة وتواضعه للخلق ..يقول الصوفية أن القرآن أورد قصة عظيمة هي لُب التصوف الإسلامي ..

قصة موسى والخضر:


قصة موسى نبي الله عليه الصلاة والسلام، والعبد الرباني، وسيدنا الخضر عليه السلام بحسب المرجح، فعلى شاطئ بحر هذا هو المكان، ليس هناك بحر واحد، هناك بحران يلتقيان معاً، أي أن هناك سرين قد اجتمعا ..

صفاء القلوب:



ويخلص أحمد بهجت بعد استعراض شيق لقصة موسى والخضر عليهما السلام ، أن هناك علم يمكن أن ينكشف بنور يقذفه الله في قلب العبد إذا صفا قلب العبد لله..والصوفية هم الذين صفت قلوبهم لله.

محض فضل:


ويتكرم الله على أصحاب القلوب التي لم تشهد غيره ولا تحب سواه بالمكاشفات والأسرار..وربما منع الله تعالى أو منح، ربما قبض علمه أو بسط علمه ..مشيئته سبحانه وتعالى مطلقة نافذة ، والمنع والمنح ليسا بسبب من جهد العباد وإنما هما محض فضل من الله .


وليست تجارب الصوفيين ومجاهداتهم إلا تدريبات روحية لتصفية القلوب لله ..فيفتح الله عليهم ببعض أسراره

اقرا: أجمل صيغ الصلاة على النبي (اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ)

علوم النبي وأسرارالولي:


وانكار وجود عباد لله يفتح عليهم الله ببعض أسراره، يعني انكار آية من القرآن الكريم”ًفَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا”(2) كما أن إطلاق هذا الحكم على جميع من يدعي الصفاء خطأ بالغ .. لأن علم الأسرار سر.


ومميزات السر أن يحمله أقل عدد ممكن من القادرين .


ونحن لا نعرف عدد عباد الله الذين يختصهم الله ببعض علمه وبعض أسراره لا نعرف أين هم .. ولا من هم ..
إن الفارق الجوهري بين العلم البشري وعلم الأنبياء ، وعلم الأسرار هو الشيوع والذيوع


إذا انتشر العلم وذاع كان علماً بشرياً، أو علماً من علوم الأنبياء طبقاً لنوعه، أما علم الأسرار الخاص بأولياء الله الصالحين ممن تحقق لهم الصفاء من التصوف، فمن صفاته الصمت والكتمان..


لقد كان العبد الصالح عنيفاً مع نبي الله موسى عليه الصلاة والسلام حين سأله أن يعلمه، ولم يستطع موسى أن يصبر على هذا العلم ..رغم كونه موسى .. ولو صبر موسى مع العبد الصالح لعرفنا أسرار كثيرة ولكن الله تبارك وتعالى شاء أن لا نعرف أكثر، وأن لا يعرف موسى أكثر مما عرف.

سر الصوفية:


معنى هذا أننا أمام علم لا ينكشف إلا بقدر محدود، ولا يمنح إلا بحساب بالغ الدقة، هذا العلم الذي يسعى إليه الصوفية بعد العلم البشري وعلم الأنبياء، ولا يقوم إلا بهما ، هذا العلم بالغ الصعوبة ..وإدعاؤه أمر رهيب، ودعوى هائلة ورهيبة وخطيرة، والدليل الوحيد على الصدق فيها هو الصمت وكتمان السر، ولهذا يقول كبار الصوفية: “من تكلم خرج” أو قالوا : ” من أفشى السر هلك”

اقرأ: دلائل الخيرات
وسنرى مصداق هذا النظر نفسه في القرآن ، سنرى أن الكلام في هذا العلم يخرج صاحبه من مجال الرؤية إن لم يخرجه من هذا العلم أصلا ..في قصة موسى والعبد الصالح (الخضر) .. حين خرج العبد من الصمت إلى الكلام ..خرج من مجال الرؤية ..اختفى تماما قال لموسى ” هذا فراق بيني وبينك” ولم يكد العبد الصالح يتحدث حتى انتهت قصته وانطوى عليه بحر كلمات الله عز وجل ودلف إلى خفاء الخفاء ..لم نره بعد ذلك ولم نصادفه


في بحار التصوف ألف سؤال وسؤال، وألف غريق وغريق، وألف لؤلؤة ولؤلؤة، وألف محارة فارغة، ومحارة مليئة..وثمة حكايات لها العجب عن الأولياء، هناك احتمال قوى أن نغرق في هذا البحر لو لم نكن نجيد السباحة ..أو نستخدم أدوات الملاحة الصحيحة


نفرد أشرعة الروح البيضاء ونبحر، وما دمنا نسبح في بحار القوم فلا مفر من استخدام أساليبهم في هذه البحار ..ولا بد أن نبدأ رحلتنا البحرية وأشرعتنا مفتوحة لكل الرياح القادمة من أبواب الكون..ونريد عقلا محايدا قبل كل شئ لا نريد أحكاما مسبقة أو أفكار جاهزة للحكم على التصوف قبل الخوض في أمواجه

تعريف معنى الصوفية


إن بشر بن الحارث الحافي وقد لقب بالحافي لأنه خلع نعليه يوما وجرى فوق الرمضاء فلم يدركه أحد، يقول بشر الحافي في تعريف التصوف ” الصوفي من صفا لله فلبه” وتوفى بشر ببغداد سنة 227 هـ


أما معروف الكرخي والذي توفى سنة 200 هـ فيقول: إن التصوف هو الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق
ويقول فريد الدين العطار صاحب كتاب منطق الطير، “الصوفي من إذا نطق كان كلامه عين حاله فهو لا ينطق بشئ إلا إذا كان هو ذلك الشئ”


وسئل سمنون المحب عن التصوف فقال: ألا تملك شيئا ولا يملكك شئ”

بحر أبو بكرالصِّديق:


كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه مثل ريح تسوق السحاب والمطر كان كريما تقيا ..أكرم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بماله وكان قبل الإسلام أعظم أغنياء مكة فصار بعد الإسلام رجلا قليل المال ذهبت أمواله كلها في الدعوة إلى الله، وزوج ابنته عائشة للرسول الكريم وصاحبه في الهجرة، وكان الصديق رضى الله عنه وأرضاه، قمة في العبادة ورقة في المشاعر وسمو في النفس ورغم ذلك فهو القائل إنه لا يأمن مكر الله ولو وضع احدى قدميه في الجنة ..هذا صاحب رسول الله هذا مقدار تقواه…

بحر الفاروق :


مثل سيف لا يقف أمامه شئ، كان كريما تقيا..في ظروف الإسلام الأولى، أيام الحصار والجوع والبؤس والتعذيب والاضطهاد.. سأل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم “أن يُعِز الإسلام بأحب العمرين واستجاب الله له
كان سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب هو الرجل الذي أعز الله الإسلام بشجاعته في الحق .. وكان الحاكم الذي يتقلب في فراشه خوفا من أن تنكفئ بغلة في احدى طرق العراق فيسأله الله ، لماذا لم يمهد لها الطريق

بحر ذو النورين:

استشهد الرجل الكريم سيدنا عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن كتاب سيده ومولاه ” وكان يقول إذا جاء العبد كتابا من سيده ومولاه وجب عليه أن ينظر فيه كل يوم.

بحر الإمام علي:



وسيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجه، هو أول من صلى مع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وأول من أسلم مع سيدتنا السيدة خديجة وسيدنا أبو بكر وزوج ابنة رسول الله ستنا السيدة فاطمة الزهراء البتول ومنهما جاءت العترة النبوية ذرية رسول الله صلوات ربي وتسليماته عليهم جميعا إلى يوم الدين

بحر سيد الشهداء:


سيدنا الحسين بن علي سيد الشهداء سيد شباب أهل الجنة قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسين ..صنع سيدنا الحسين موجة من خشية الله وتوجته الشهادة وسال دمه في الله رمزا للبراءة التي يقتلها الدهاء والظلم ..وينتقل الموج الهادر إلى ولده

بحر زين العابدين:


ما أشد هدوء هذا البحر وما أعظم صفاء أمواجه هذا بحر الكريم بن الكريم بن الكريم بحر علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب


المياه هادئة ساكنة، القاع عميق وإن ارتعدت رماله بالخوف من الله، الأمواج جاءت من دموع الخشية من الله والهيبة من جلاله ..لم نزل في منطقة الزهد الخائف ولم ندخل بعد منطقة التصوف المعقد

اقرا:شجرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-
فهذا البحر هو المدرسة الأولى من مدارس الزهد الذي تطور إلى التصوف .. فقد كان الزهد عند الإمام علي زين العابدين أن تكون الدنيا في يدك لا في قلبك، أن تكون قادرا عليها وسيدا فيها ومزدرياً لها ومحتقراً لها في نفس الوقت ..هذا هو الزهد


سئل الإمام السجاد زين العباد مرة عن حاله، فقال: “فقد الأحبة غربة”..بعد استشهاد أبيه الحسين وإخوته ومعظم آل البيت ..وكان يقوم الليل ومن ابتهالاته : اللهم لك قلبي ولساني، وبك نجاتي وأماني، وأنت العالم بسري وإعلاني.

دعاء زين العابدين:


أذكار وأدعية مولانا الإمام علي زين العابدين بن مولانا الإمام الحسين كثيرة لا تُحصى في موضوع صحفي أو تقرير موسع ..ونورد منها :


اللهم أمت قلبي عن البغضاء، واصمت لساني عن الفحشاء ، واخلص سريرتي وعلانيتي عن علائق الأهواء ، واكفني بأمانك عواقب الضراء، واجعل سري معقودا على مراقبتك وإعلاني موافقا لطاعتك


وفي هذا الدعاء يسأل الإمام زين العابدين ربه أن يجعل سره معقودا على مراقبة الله وإعلانه موافقا لطاعة الله ، وهذه الفكرة الإسلامية الخام ، سوف نعثر عليها فيما بعد مفلسفة عند العلامة وحجة الإسلام أحد أئمة التصوف أبي حامد الغزالي في “استواء السر والعلن”…(3)


وعن مولانا الإمام زين العابدين أنه كان نحيل الجسد من كثرة صيام النهار وقيام الليل، واحتار الناس فترة في من يقوم ليلا بتوزيع أجولة الدقيق والغذاء على بيوت الفقراء، حتى توفى زين العباد فوجدوا أثر الحبل على كتفه وتأكد الناس بعد وفاته أنه من كان يحمل الطعام في جنح الظلام إلى أبواب بيوت الفقراء والمساكين

ابن خير خلق الله


وفي أحد أيام الحج حاول أحد ملوك بني أمية أن يستلم الحجر الأسعد فلم يستطع بسبب شدة تزاحم الناس، فأنتحى جانبا وجلس ينتظر، وإذا بالإمام على زين العابدين ابن مولانا الإمام الحسين يريد أن يستلم الحجر الأسعد فأفسح له الناس الطريق إليه ووقفوا ينظرون في وجه إلى نور النبوة فهو ابن الحسين ابن على ابن أبي طالب و فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

الفرذدق وزين العابدين


وحين ذلك تعجب ذاك الملك الذي لم يستطع الوصول إلى الحجر الأسعد فسأل: من هذا؟ يقصد بسؤاله الإمام زين العباد
فأجابه الشاعر الفرذدق بقصيدته التي يتغنى بها المداحون وهي من أشهر القصائد في مدح زين العابدين وآل البيت :
هَذا الّذي تَعرِفُ البَطْحاءُ وَطْأتَهُ
وَالبَيْتُ يعْرِفُهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ
هذا ابنُ خَيرِ عِبادِ الله كُلّهِمُ
هذا التّقيّ النّقيّ الطّاهِرُ العَلَمُ
هذا ابنُ فاطمَةٍ، إنْ كُنْتَ جاهِلَهُ
بِجَدّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
وَلَيْسَ قَوْلُكَ: مَن هذا؟ بضَائرِه
العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ
كِلْتا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفعُهُمَا
يُسْتَوْكَفانِ، وَلا يَعرُوهُما عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ، لا تُخشى بَوَادِرُهُ
يَزِينُهُ اثنانِ: حُسنُ الخَلقِ وَالشّيمُ
حَمّالُ أثقالِ أقوَامٍ، إذا افتُدِحُوا
حُلوُ الشّمائلِ، تَحلُو عندَهُ نَعَمُ
ما قال: لا قطُّ، إلاّ في تَشَهُّدِهِ
لَوْلا التّشَهّدُ كانَتْ لاءَهُ نَعَمُ
كالشمس تَنجابُ عن إشرَاقِها الظُّلَمُ
من مَعشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ، وَبُغْضُهُمُ
كُفْرٌ، وَقُرْبُهُمُ مَنجىً وَمُعتَصَمُ
مُقَدَّمٌ بعد ذِكْرِ الله ذِكْرُهُمُ
في كلّ بَدْءٍ، وَمَختومٌ به الكَلِمُ
إنْ عُدّ أهْلُ التّقَى كانوا أئِمّتَهمْ،
أوْ قيل: «من خيرُ أهل الأرْض؟» قيل: هم
(4)

وفي حلقات قادمة ننشر شذرات من الحب الصوفي وأقوال الصوفية في حب الله وما أكثرها


المراجع:
(1)لوازم الحب الإلهي، الإمام محي الدين بن عربي، تحقيق وتعليق موفق فوزي الجبر، بنان قسطنطين، الطبعة الأولى.
(2)آيات 65 – 66 سورة الكهف، القرآن الكريم
(3)أحمد بهجت ، بحار الحب عند الصوفية
(4)قصيدة الفرزدق في علي بن الحسين، موقع ويكي مصدر، الانترنت

تابع موقع الموضوع على جوجل نيوز الان

زر الذهاب إلى الأعلى