دين ودنيا

مِن هُنا بِدايةُ التصوف ..بِدايةِ الصفاء لله

مِن هُنا بِدايةُ التصوف ..بِدايةِ الصفاء لله

كثير من الأحباب والأصدقاء يتساءلون : من أين نبدأ؟ ..إذا بدأ الإنسان يستشعر الحب وأنه هناك نداء رباني يناديه من داخله، أن أقبل إلي يا عبدي، وخلال السنوات الماضية والشهور الآخيرة تصاعد تيار التصوف، بعد إنكسار وهزيمة وانكشاف موجات التشدد والتطرف.


عبدالعزيز صبره الرفاعي:

وبدأ كثير من الناس يستشعرون أن هناك ثمة دين آخر غير الذي تم تصديره إلينا من خلال صرخات العنف والإرهاب، وأن هناك متسع في الدين يشعر الإنسان معه بالراحة والسكينة والطمأنينة، بعد أن انهكت الناس موجات التحريم والتضييق والتقفيل والسجن المشدد تحت عواصف فتاوي تحريم كل شئ من تيارات يرحمها الله على ما فعلت بالمسلمين من هدم وتدمير لوجدانهم وفطرتهم وديارهم ..فكم من روح ذُبحت وكم من دولة إسلامية هُدمت بدعوى الشريعة الغليظة المخيفة المدمرة..

اقرأ:“الصلاة ” علامةٌ من علامات محبّة العبد لخالقه


بداية أقول لكل حبيب وصديق يسأل، لا تقلق يا عزيزي ، فالله هو الفاعل وهو الهادي، وسيهديك إليه ..ولكل منا بدايته ، وما من عبد إلا وبينه وبين الله سر.. فقط استجب لذاك النداء المنبعث من داخلك وكن مع قلبك وروحك فهناك نور في داخلك ..فداخلك روح من الله


قال الله: ” فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ” – سورة الحجر 29- وقال تعالى : “وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ ۚ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ” – سورة الحجر 7 .

اقرأ:الحسين: رمز العدالة والتضحية
يقول الإمام أبو حامد الغزالي – يرحمه الله ، المتوفي سنة 505 هـ – 1111 م – يقول: اعلم أن مفتاح معرفة الله تعالى هو معرفة النفس، كما قال سبحانه : ” سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ” – فصلت 53 – وقال سيدنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: “من عرف نفسه فقد عرف ربه” وليس شئ أقرب إليك من نفسك ، فإذا لم تعرف نفسك فكيف تعرف ربك؟

فإن قلت: إني أعرف نفسي، فإنما تعرف الجسم الظاهري، الذي هو اليد والرجل والرأس والجثة، ولا تعرف ما في باطنك من الأمر الذي به إذاغضبت طلبت الخصومة وإذا اشتهيت طلبت النكاح وإذا جُعت طلبت الأكل وإذا عطشت طلبت الشرب، والدواب تشاركك في هذه الأمور .

اقرأ:التصوف ..صفاء في حب الله ..غاية السائرين ..وأمل العابدين


فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة حتى تدري أي شئ أنت ، ومن أين جئت إلى هذا المكان ولأي شئ خُلِقت وبأي شئ سعادتك وبأي شئ شقاوتك.
وقد جمعت في باطنك صفات منها صفات البهائم، ومنها صفات السباع، ومنها صفات الملائكة ، فالروح حقيقة جوهرك، وغيرها غريب منك وعارية عندك فالواجب عليك أن تعرف هذا وتعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء وسعادة.

اقرأ:أجمل صيغ الصلاة على النبي (اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ)


فإن سعادة البهائم في الأكل ، والشرب والنوم والنكاح، فإن كنت منهم فاجتهد في إعمال الجوف والفرج، وسعادة السباع في الضرب والفتك، وسعادة الشياطين في المكر والشر والحيل، فإن كنت منهم فاشتغل باشتغالهم.

اقرا:أسماء سيدنا محمد – صلّى الله عليه وسلّم-
وسعادة الملائكة في مشاهدة جمال الحضرة الربوبية وليس للغضب وللشهوة إليهم طريق فإن كنت من جوهر الملائكة فاجتهد في معرفة أصلك حتى تعرف الطريق إلى الحضرة الإلهية، وتصل إلى مشاهدة الجلال والجمال وتُخَلِّص نفسك من قيد الشهوة والغضب وتعلم أن هذه الصفات لأي شئ ركبت فيك فما خلقها الله تعالى لتكون أنت أسيرها، ولكن خلقها حتى تكون أسراك وتُسخرها للسفر الذي قدامك، وتجعل إحداها مركبك والأخرى سلاحك حتى تصيب بها سعادتك..

إقرا:أقبل إلى “التصوف” ولا تخف

فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت قدميك وارجع إلى مكان سعادتك وذلك المكان قرار خواص الحضرة الإلهية..وقرار العوام درجات الجنة تحتاج إلى معرفة هذه المعاني حتى تعرف من نفسك شء قليل، فكل من لم يعرف هذه المعاني فنصيبه من القشور لأن الحق يكون عنه محجوباً.(1)


ويقول سيدي أحمد الرفاعي الكبير: عليكم بذكر الله فإن الذكر مغناطيس الوصل وحبل القرب ، من ذكر الله طاب بالله ، ومن طاب الله وصل إلى الله..وقال أحد الصالحين: إذا اراد الله ان يولي عبده فتح له باب ذكره(2)

المراجع :
1 – مجموعة رسائل الإمام الغزالي – تحقيق ياسر سليمان أبو شادي، ص465، دار التوفيقية للتراث
2- الورد الراتب لسيدي أحمد الرفاعي

تابع موقع الموضوع على جوجل نيوز الان

تصوف

زر الذهاب إلى الأعلى