المُباح والمحظور في الإيمان بطبيعة سيدنا  محمد

فمبلغ العلم فيه أنه بشر..صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، أفهم أن سيدنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم –  لا يعرف قدره غير ربه سبحانه وتعالى، وأنه سيدنا محمد خير خلق الله كلهم ..فهل في هذا شرك أو كفر .. لما نقول سيدنا محمد خير خلق الله كلهم .. فنحن نقر هنا لله بالخلق ومن ضمن خلق الله سيدنا محمد ذاته ..ولكنه خير الخلق وأحب الخلق ..وأول الخلق

                                عبدالعزيز صبره الرفاعي:

وفي زاماننا هذا طغى التشدد بحجة التخويف من الشرك بدعوى عدم المغالاة في حب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

ومن الأمور التي تلاعب بها المتشددون حديث أولية الخلق وأن أول من خلقه الله سبحانه وتعالى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ..

ووصف النبي بصريح القرآن الكريم بأنه نور من الله ..يعتبره بعض المتشددون شركاً، فهل يتعارض وصف النبي أنه نور من نور الله مع الإيمان بأنه بشر ؟

الشعرواي:

فضيلة إمام الدعاة محمد متولي الشعراوي يكاد لا يختلف عليه أحد في أمانته وفهمه وعلمه ، وله تعليق منتشر في فيديو يقطع فيه بأولية خلق النبي محمد صلى الله عليه آله سلم من جانب كونه نور من نور الله، قائلا أن النبي قال في حديث جابر – وهو من الأحاديث التي تعترض عليه التيارات المتشددة التي طغت على مصر والعالم الإسلامي في العقود الأخيرة ونتج عن فكرها كثير من الإرهاب والدماز لبلاد الإسلام-  يقول الإمام الشعراوي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر ..وهنا يفرق بين النور وبين الطبيعة البشرية ويحسم الخلاف بين من خلق أولا سيدنا النبي محمد أم أبونا آدم أول البشر

فيقول الإمام الشعراوي أن سيدنا محمد الأول من النور وأبونا آدم  الأول كمادة .. ولتوضيح المعنى شرح الإمام الشعراوي مثلا كعادته من حياتنا اليومية فقال كمثل اللمبات والكهرباء ..اللمبات موجودة ومتركبة ومتتوصلة بالشبكة لكن مفيش كهرباء ..

 الدكتور علي جمعة :

ما الإمام  الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومفتى الديار المصرية السابق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، فيؤكد أنه ليس هناك ما يتعارض مع أنه – حضرة النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم- كان نوراً  ومنيرًا، وأنه ﷺ له نور حسي مع أصل العقيدة، كما أنه لا يعارض طبيعته البشرية التي أخبرنا  بها القرآن الكريم.

 يقول الدكتور علي جمعة إن المحظور هو نفي البشرية عن سيدنا محمد  ؛ لأن هذا مخالف لصحيح القرآن فقد قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ }…

يضيف، فالسلامة في ذلك أن تثبت كل ما أثبت الله لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فتثبت أن سيدنا محمد كان نورًا ومنيرًا ولا يزال، وأنه بشر مثلنا، دون تفصيل وتنظير، وإثبات النور الحسي له لا يتعارض مع كونه بشرًا، فالقمر طبيعته صخرية، ومع ذلك هو ضياء وله ضوء حسي، والنبي  خير من القمر، وخير من خلق الله كلهم.

وفي تعليقه على حديث (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر..) يقول الدكتور علي جمعة شيخ الطريقة الصديقية:  إن حديث أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر.. أن القول بأن الحديث غير صحيح ليس  دليلا على فساد معناه من كل وجه، فمعنى الحديث يمكن أن يكون صحيحًا إذا كانت الأولية في الأنوار فإن ذلك لا يستبعد، وعلى أن الأولية مطلقة، فهي ثابتة للقلم وللعرش على الخلاف المشهور، وقد ذكر العجلوني ذلك فقال : «وقيل الأولية في كل شيء بالإضافة إلى جنسه، أي أول ما خلق الله من الأنوار نوري وكذا باقيها، وفي أحكام ابن القطان فيما ذكره ابن مرزوق عن علي بن الحسين عن أبيه عن جده أن النبي ﷺ ، قال : كنت نورًا بين يدي ربي قبل خلق آدم بأربعة عشر ألف عام‏.‏

وقال العلامة الدردير المالكي : (ونوره) صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم (أصل الأنوار) والأجسام كما قال  لجابر رضي الله عنه : أول ما خلق الله نور نبيك من نوره..

ويقول الإمام على جمعة : فإن عوالم الله سبحانه وتعالى متعددة، فهناك عالم الملك وهو عالم الشهادة، وهناك عالم الملكوت وهو عالم الغيب، ومنه عالم الروح، وعالم الجن، وعالم الملائكة، وهناك أنوار خلقها الله سبحانه وتعالى، فليس هناك ما يمنع أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم  أول الأنوار التي خلقها الله سبحانه وتعالى وفاضت منه الأنوار إلى البشرية في عالم الروح

يقول : إن وصفه صلى اللهةعليه وآله وسلم  بالنور لا يتعارض مع وصفه بالبشرية، وكون أن بعض أصحابه رأوه نورا حسيا، أو رأوا منه نورا حسيا ولم يره البعض لا يوجد ما يمنع ذلك عقلا ولا شرعا كما بينا.

 فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  نور بحاله، وبقاله، وأفعاله، وبذاته، ومنير لمن حوله ومن بعده، فهو الرحمة المهداة، والنعمة المزجاة نفعنا الله به في الدنيا والآخرة.

اقرأ:شجرة النبي محمد -صلى الله عليه وسلّم-

لولاه لم تُخلق الدنيا

وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن … لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم

من أبيات البردة للإمام محمد البوصيري، وقد وصلت المبالغة في التشدد والتطرف إلى تكفير قائل القصيدة وهذا البيت و ومن يُرددهما

وقال الدكتور علي جمعة في فتوى سابقة ومنشورة بموقع دار الإفتاء المصرية : انتشر في الآونة الأخيرة القول بأن قصيدة “البردة” للإمام البوصيري فيها أمور شركية تخل بالعقيدة، وهذا في حد ذاته خللٌ في العقيدة؛ لأن فيه سلوكًا لمنهج الخوارج الذي يقوم على أساس حمل الآيات التي نزلت في المشركين على المسلمين..

.. وقد وضَّح ابن عمر رضي الله عنهما أن هذا هو مدخل ضلالتهم فقال: “إِنَّهُم انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِي الْكُفارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى المُؤْمِنِينَ” .. كما أن فيه خللًا في المنهج وفقدانًا للمعايير الإسلامية الصحيحة؛ حيث خلط أصحابه بين دائرة الشرك ودائرة الوسيلة..

 فحبُّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدحُه والتوسلُ به مِن الوسائل الشرعية التي تَعَبَّدَ اللهُ تعالى بها عبادَه المسلمين بنص الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة، فنَقْلُها إلى دائرة الشرك دليلٌ على افتقاد المعيار السليم الذي يُفرَقُ به بين الإيمان والكفر، وقد أنكر الله تعالى على أصحاب هذا المسلك الفاسد بقوله سبحانه: ﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ۝ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ القلم: 35-36.

ومن الأبيات التي يدعي فيها هؤلاء الجهلة أنها مخالفة للشريعة أو أنها شرك قول الإمام البوصيري:

وكيف تدعو إلى الدنيا ضَرُورَةُ مَن … لولاه لم تُخْرَج الدنيا من العَدَم

وهذا المعنى قد ورد فيه جملة أحاديث، منها: ما رواه الحاكم في “المستدرك” والبيهقي في “دلائل النبوة” من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَمَّا اقْتَرَفَ آدَمُ الْخَطِيئَةَ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ بِحَقِّ مُحَمَّدٍ لَمَا غَفَرْتَ لِي، فَقَالَ اللهُ: يَا آدَمُ، وَكَيْفَ عَرَفْتَ مُحَمَّدًا وَلَمْ أَخْلُقْهُ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، لِأَنَّكَ لَمَّا خَلَقْتَنِي بِيَدِكَ وَنَفَخْتَ فِيَّ مِنْ رُوحِكَ رَفَعْتُ رَأْسِي فَرَأَيْتُ عَلَىَ قَوَائِمِ الْعَرْشِ مَكْتُوبًا لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فَعَلِمْتُ أَنَّكَ لَمْ تُضِفْ إِلَى اسْمِكَ إِلَّا أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَيْكَ، فَقَالَ اللهُ: صَدَقْتَ يَا آدَمُ، إِنَّهُ لَأُحِبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ادْعُنِي بِحَقِّهِ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَلَوْلَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُكَ». قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وحسنه الإمام التقي السبكي في “شفاء السقام”.

وروى الدَّيْلَمي في “الفردوس بمأثور الخطاب” عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَتانِي جبريلُ فقال: قال الله: يا مُحَمَّدُ، لَولَاكَ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ، وَلَولَاكَ مَا خَلَقْتُ النَّارَ».

ورواه ابن عساكر في “تاريخ دمشق” من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه بلفظ: «ولقد خَلَقْتُ الدُّنيَا وأهْلَهَا؛ لأعَرِّفَهُمْ كَرَامَتَكَ وَمَنْزِلَتِكَ عِنْدِي، وَلَوْلَاكَ يَا مُحَمَّدُ مَا خَلَقْتُ الدُّنْيَا».

وروى الحاكم في “المستدرك” وأبو الشيخ في “طبقات الأصفهانيين” عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما موقوفًا عليه: “أوحَى اللهُ إلَى عِيسَى عليه السلام: يَا عِيسَى، آمِنْ بِمُحَمَّدٍ، وأْمُرْ مَن أَدْرَكَهُ مِن أُمَّتِكَ أَن يُؤْمِنُوا بِهِ؛ فَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقتُ آدَمَ، وَلَولَا مُحَمَّدٌ مَا خَلَقْتُ الجَنَّةَ وَلَا النَّارَ، وَلَقَدْ خَلَقتُ العَرشَ عَلَى المَاءِ فاضْطَربَ فَكَتَبْتُ عَلَيهِ: لَا إِلَهَ إلَّا الله مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَسَكَنَ”. قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد .

وهذه الأحاديث والآثار وإن كان فيها أو في بعضها ضعف إلا أن معناها صحيح، فمعنى القول بأنه لولا سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما خلق اللهُ الخلقَ هو أن الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات: 56، فتحقيق العبادة: هي حكمة الخلق، والعبادة لا تتحقق إلا بالعابدين، فالعبادة: عَرَضٌ قائم بالعابد نفسه، وأفضل العابدين: هو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عنوان العبادة، وعنوان التوحيد، كما أن الآية تتكلم عن الجن والإنس ولا تتكلم عن الخلق أجمعين.

أما باقي ما في السماوات والأرض فهو مخلوق لخدمة الإنسان، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الجاثية: 13]، وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو عنوان الإنسانية، بل هو الإنسان الكامل.

وقد نصَّ على صحة هذه المقولة كثير من العلماء؛ كالعلامة مُلا علي القاري، والعَجْلُوني وغيرهما من الأئمة، وممَّن ذكر أنها مقبولة إذا فُسِّرَتْ بهذه المعاني الصحيحة في الكتاب والسنة الشيخُ ابن تيمية الحنبلي رحمه الله؛ حيث يقول في “مجموع الفتاوى” (11/ 96-98، ط. مجمع الملك فهد): وقد ظهر فضلُ نبيِّنا صلى الله عليه وآله وسلم على الملائكة ليلةَ المعراج لَمَّا صار بمستوى يسمع فيه صريف الأقلام، وعلا على مقامات الملائكة. ومحمد سيد ولد آدم، وأفضل الخلق وأكرمهم عليه؛ ومن هنا قال مَن قال: إن الله خلق من أجله العالَم أو: إنه لولا هو لَمَا خَلق الله عرشًا ولا كرسيًّا ولا سماءً ولا أرضًا ولا شمسًا ولا قمرًا.

ويمكن أن يفسر بوجه صحيح، فإذا كان الإنسانُ هو خاتمَ المخلوقات وآخرَها، وهو الجامع لِمَا فيها، وفاضلُه هو فاضل المخلوقات مطلقًا، ومحمدٌ إنسانُ هذا العين، وقُطبُ هذه الرَّحَى، وأقسام هذا الجمع كان كأنها غاية الغايات في المخلوقات، فما يُنكَر أن يُقال: إنه لأجله خُلِقَتْ جَميعُها، وإنه لولاه لَمَا خُلِقَتْ، فإذا فُسِّر هذا الكلامُ ونحوُه بما يدل عليه الكتابُ والسنةُ قُبِلَ ذلك

اقرأ:أجمل صيغ الصلاة على النبي (اللَّهُمَّ صَلِّ علَى مُحَمَّدٍ وعلَى آلِ مُحَمَّدٍ)

وفي النهاية الكلام في فضل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم لا ينتهي ، ولكننا نقدم على قدرنا نحن وليس بقدره الشريف العظيم  ..وإننا لنتمثل بقول البوصيري رضي الله عنه :

دع ما ادعته النصارى في نبيهم..واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم وانسب إلى ذاته ما شئت من شرفٍ..وانسب إلى قدره ما شئت من عظم

تابع موقع الموضوع على جوجل نيوز الان

Exit mobile version