جدل كبير دار في مصر مؤخراً حول دور الطرق الصوفية في السياسة، وتعرضت المشيخة العامة للطرق الصوفية وعلى رأسها فضيلة الشيخ د.عبدالهادي القصبي رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، لهجوم حتى من داخل البيت الصوفي، ومن هنا نحاول أن نبين بعض الحقائق – أولا وخاصة – لبعض الصوفية الذين انتقدوا ما رأوه انغماساً في السياسة وميلاً عن منهج التصوف وقع فيه الشيخ القصبي، وعامة وثانية هذا بيان للناس ..فنسأل الله التوفيق ..
الصوفية على خير ما داموا مختلفين.. مقولة لأحد كبار الأولياء، تبدو غريبة ولكن حقيقتها هي ما حمت الطرق الصوفية منذ القرن الأول والثاني للهجرة وجعلتها مستمرة حتى الآن ..وتعبر تلك المقولة عن ميزة في الجماعات الصوفية رغم ما تشتهر به من احترام الصوفية لمشايخهم واحترامهم بعضهم البعض، واحترامهم للناس جميعاً، بل واحترامهم لكافة مخلوقات الله..
وأبين هنا من واقع تجربتي وانغماسي في الطريقة، أن الصوفية ليسوا تنظيم كتنظيمات أُخرى، تلك التنظيمات التي تقوم وتعتمد على نظام حديدي ومبدأ الطاعة العمياء .. بل إن سوط جلد الذات وانتقاد الذات يعمل في الصوفية بقوة، من منطلق جهاد النفس هو الجهاد الأكبر، وينسحب هذا من الفرد إلى الطريقة عامة ..
ورغم أن ظاهرة الخلاف تبدو في ظاهرها غير جيدة إلا أنها في باطنها من أهم مميزات التصوف والصوفية ..فالصوفية للصوفية بالمرصاد ..فإن حاد أحدهم أو بعضهم وجد الناصح من إخوانه ووجد من يرده ويذكره بالحق والصواب، وربما وبالطبع وجد المؤدب سواء كان شيخ أو حتى صاحب زميل في الطريق
الصوفية في أول صف دفاعاً .. والأخير سياسةَ
وحتى لا أطيل على القارئ .. فإن الصوفية في حال تعلق الأمر بأمن الوطن وسلامته فستجد الصوفي أول من يقف في الصف الأول دفاعاً وجهاداً، أما إذا تعلق بالسياسة والصراع عليها فستجد الصوفي مُبتعداً قدر الإمكان إلى الصف الآخير وربما لا تجده عند الصراع على المناصب.. ولا حتى طالباً لها.. بل غالباً لن تجده حينئذ في الصورة .. سيكون قد ذهب إلى خلوته مع ربه بالليل، وسعيه على الرزق الحلال نهاراً فهو دائما في جد واجتهاد مع الله..
وليس معنى ما سبق أن هذا موقف جماعي ، فلا أمر يصدر من شيخ الطريقة مثلا بمثل هذه الأمور، ولكنها تربية .. (يا ولدي الدنيا جيفة .. من أراد نصيبه منها فليصارع كلابها .. هكذا يقول الشيخ للمريد تربية له وتهذيباً )
التكليف والعون من الله
وكذلك الأمر عند الصوفية يتوقف على التكليف وليس الطلب والطمع .. لا تطلب منصب أو متاع من متاع الدنيا .. لا تكلف نفسك .. لا تمدن عينيك.. ولا تطلب ولاية أو رئاسة .. فأصعب شهوة هي شهوة الرياسة والزعامة والشهرة وهي آخر ما يقتله المريد في نفسه من شهوات لأنها الأصعب
الشهوات السبع
فمع التربية الصوفية تخرج أو تموت أو تُقتل الأنفس السبعة أو الشهوات أو الرغبات السبعة .. تخيل أن أولها الشهوة للنساء أو للجنس، وشهوة المال، وهما الأسهل .. أما الأصعب فهي شهوة الرئاسة والزعامة وهي آخر شهوة أو نفس تموت في داخل السالك في الطريق إلى الله
ولذلك فالصوفي الحقيقي لا يطلب منصب، ولكنه لا يتأخر إذا ناداه الواجب وجاء التكليف فهو يؤمن أوثق الإيمان أنه إذا جاءه التكليف فسوف يمده الله بالعون..
فهل تعلم يا صديقي الصوفي، وغير الصوفي .. أن أولياء الساحل مثل سيدي بشر وسيدي عبدالرحمن وسيدي كرير وسيدي براني .. جميعهم أولياء من رجال الصوفية انتقلوا للتمركز والحياة هناك لملاقات الحملات الصليبية والتي كانت تهاجم البلاد أو مقاومة الاحتلال الغربي في القرن التاسع عشر الميلادي..
القتال أسعد من العُرس
من أمثلة جهاد الصوفية، كان شقيق البلخي، وهو من قمم الصوفية الشامخة، يسارع إلى خوض المعارك لا يبالي على أي جنب كان في الله مصرعه
انظر إليه : خائضاً المعارك، محاربا العدو، مسلحاً بإيمانه، وثقته في الله .. وعدته الحربية شاهراَ سيفه، فارساً بكل ما تعنيه الفروسية .. هادئاً مطمئناً ، كامل الثقة في الله ..وفي قلب المعركة، حيث تطير الرؤوس تحت ضربات السيوف.. يقول لمن بجواره في هذا الفزع ..كيف ترى نفسك؟ أترى نفسك في سعادة ، تشبه سعادتك في الليلة التي زفت فيها إمرأتك إليك؟
فأجابه الذي بجواره: لا .. والله
فقال شقيق : لكني والله ..أرى نفسي في هذا اليوم مثلها في الليلة التي زفت فيها إمرأتي إلي ..
لقد كان سعيداً بجهاده ونال الشهادة مقبلاً على العدو مجاهداً في معركة البطولة والشرف..في ساحة الحرب والجهاد..
ومن المجاهدين الصوفية ، حاتم الأصم ،..والسيد أحمد البدوي، والإمام أبو الحسن الشاذلي، الذي خرج لملاقاة الحملات الصليبية مع جيش مصر، حتى بعد بلوغه الستين من عمره ، وكُف بصره متمثلا في ذلك بعبدالله بن أم مكتوم صاحب رسو ل الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، فكان الشاذلي يمر وسط الصفوف نهاراً مذكراً واعظاً مُشجعاً وفي الليل يخلو إلى ربه مبتهلاً وداعياً وراجياً وفي ليلة أخذته غفوة فرأى سيدنا رسول الله يبشره بالنصر
وكان عبدالقادر الجزائري من كبار الصوفية المجاهدين ضد الاحتلال بدأ بنفر قليل وعتاد قليل ..والأمثلة كثيرة ومشرفة لقادة ومجاهدين (1)
الصوفية والسياسة
يفضل الصوفية الابتعاد عن الفتنة والهرج والمرج، وهم دائماً مع الاستقرار أما إذا تعلق الأمر بسلامة البلاد فهم أول من يجاهد بروحه وماله، وهم في مساندة ودعم مصر مع الابتعاد عن الفتنة السياسية والجدل والصراع، من آداب التصوف أصلاً الابتعاد عن الجدل والهروب من الفتنة وهذا أيضاً لا يتم بشكل تنظيمي .. بل هو تربية وتهذيب للنفس المبدأ العام والأساسي: امسك عليك لسانك وليسُعك بيتك وابك على خطيئتك .. وتظل المشاركة مباحة لمن أراد
اقرا:المتشددون يهاجمون السيد البدوي..والصوفية نقاضي من أساء لشيخ العرب
القصبي وسيف اليزل
أما وقد احتاجت مصر في هذه الفترة لدعم ومساندة الصوفية منذ اندلاع أحداث 2011 ..وما تلاها من سيطرة تيارات وهابية أرهابية، فلزم الصوفية التصدي، وكان هذا واجب على الصوفية عامة ممثلة في كل فرد صوفي، وكل مصري سواء صوفي أو غير صوفي، واحتاجت لمساندة ودعم الصوفية أفراداً وطرقاً ومشيخة ، فهل يتأخر صوفي أو يتأخر أو يتراجع شيخ عموم الطرق الصوفية د. عبدالهادي القصبي الذي تم تكليفه- بحسب معلومات حصلنا عليها – وشارك القصبي في تأسيس إئتلاف في حب مصر مع اللواء سامح سيف اليزل، وهو رجل مخابرات مصري سابق،عليه رحمة الله، وهو جهد لا شك مطلوب أو تم التكليف به في مواجهة التيارات الداعشية والإرهابية الوهابية ..وبعد انتقال اللواء سيف اليزل إلى رحمة الله تولى القصبي مسئولية الائتلاف .. وتطور الائتلاف إلى حزب مستقبل وطن ويشغل القصبي منصب نائب رئيس الحزب الآن، وزعيم الأغلبية بمجلس النواب المصري
أرادوا حجب السيدة زينب .. فأزالهم الله
وهكذا مع التحقق من الأمر فلن نجد الشيخ قد حاد عن الطريق، بل الصوفي الحق يعلم أنه تكليف وأختبار يصل لحد الابتلاء أعانه الله عليه، فهو هنا يحتاج للدعاء والتقويم إن أخطأ لا قدر الله ، والخطأ الحقيقي هنا يكون في تخاذل الشيخ أو تأخره أو إحجامه عن الدور المطلوب منه حالياً لسلامة البلاد وحماية الدين والوطن، ولعل الجميع يتذكر ما أرتكبته التيارات الإرهابية من قتل المصليين في مسجد سيدي جرير وتهديد جماعة البنا وغيرها من التيارات المتطرفة التي ارتدت ثوبا زائفاً من الديموقراطية وهم كاذبون، وحتى لم يحسنوا الكذب فتوعدوا بهدم مقامات آل البيت أحفاد النبي محمد صلى الله عليه وآله، التي يرونها أصنام تعبد من دون الله حاشى لله، وأعتقد أيضاً أن الجميع يعلم بأمر الستارة التي طلب رئيسهم محمد مرسي بوضعها ظناً منه أنها تحجب مقام ستنا السيدة زينب أثناء زيارته لمسجدها .. والحمد لله فقد أرادوا حجب مقام السيدة زينب فحجبهم الله وأرادوا إزالة المقامات .. فأزالهم الله
..وهنا فقط أوجه تحذير للصوفية إياكم والفتنة فأنتم تعلمون أن هناك من يندس ويثير البلبلة إما حقداً وحسداً، أو محاولة للمزايدة طمعاً فيما تنهى عنه أداب التصوف ..وقد رصدت الأجهزة بحسب معلومات مؤكدة محاولات اختراق للطرق الصوفية وتم تحذير المشايخ واهل الساحات التي تقدم الطعام والإيواء للزوار وغيرهم ويتم اتخاذ احتياطات أمنية لسلامة البلاد
ومن الواجب الآن على شيخ عموم الطرق الصوفية د. عبدالهادي القصبي أن لا يضعف أو يتخاذل أو يتراجع تحت ضغط الهجوم عليه بحجة أنه يشارك في السياسة، فيتخلى عن الدور المطلوب والواجب المفروض، فيكون بذلك قد ترك ظهر الدولة مكشوف في لحظات حرجة .. بل إن الصوفية مطلوب منهم عدم ترك الساحة لأعداء الدين وأعداء البلاد الذين يريدون هدم المقامات ويتمنون هدم الصوفية
د. عبدالهادي القصبي د. عبدالهادي القصبي
تابع موقع الموضوع على جوجل نيوز الان
عبدالعزيز صبره الرفاعي :